دورة التراحم الإلكترونية ٢٠١٥/ ٢٠١٦
الأسبوع الثاني والثلاثون
مؤسس ومدير التعليم، مركز نيويورك للتواصل اللاعنفي
الفكرة
"المحفّز مقابل السبب"
"الناس لا يسببون ألمي. احتياجاتي هي من تسبب ألمي، الناس فقط يحفّزونه بداخلي".
لعل التمييز بين "المحفِّز" و "السبب" يحثنا على التفكير فى الأحداث والمواقف بشكل أكثر تراحمًا وتمكينًا؛ فهو يساعدنا على توجيه وعينا بعيدًا عن "ما فعله شخص ما لنا"، نحو احتياجاتنا وكيفية تأسيس حياة أكثر روعة.
حقًا؟
أذكر المرة الأولى التي سمعت فيها هذه الفكرة. كانت سخيفة بقدر فكرة "الاستمتاع بالألم". كان يمكنني رؤية هذا بوضوح، فمثلاً إذا ضربني شخص ما على رأسي، يكون قد سبب لي ألمًا، وإذا تخلّف شخص ما عن موعده معي، يكون قد سبب لي ألمًا. ودعوني أقول هذا الآن: نعم، يمكننا رؤية الأشياء بهذه الطريقة؛ يمكننا رؤية أن الناس يسببون لنا ألمًا. ولكن، إلى أين تؤدي بنا هذه الطريقة في رؤية الأشياء؟ إلى عدم التواصل؟ ربما إحساس الضحية؟ الانسحاب من المحتمل. العجز؟ نعم، هذا أيضًا.
ثم استوعبت أن التمييز بين المحفز والسبب ليس عن "الصواب" أو" الحق"؛ ولكنه رؤية الأشياء بطريقة تتيح لي الاختيار... إختياري لأن أكون أكثر تراحمًا عند قيام الناس بأفعال لا تلائمني ولا تعجبني... اختياري لرؤية الأشياء بطريقة تقوّيني وتشجعني على إيجاد طرق لجعل حياتي أكثر روعة. عندما أفكر بهذه الطريقة، يصبح "كوني محقًا" أو لومي لشخص ما بسبب "ما فعله لي" أقل أهمية.
تغيير التركيز
عندما نفكرأن شخصًا ما يسبب ألمنا، تحدث عدة أشياء. أولاً نصب تركيزنا عليهم، وعلى ما يفعلونه. نصبح مراقبين سلبيين، ونركز على تصرفهم. عندما نركز انتباهنا بهذه الطريقة، نصبح على وعي أكثر بأحكامنا (هذا الشخص يجب أن يكون مختلفًا)، وعلى وعي أقل باحتياجاتنا (نحتاج شيئًا مختلفًا). بتحويل تركيزنا إلى احتياجاتنا، نصبح أكثر قدرة على الاهتمام بأنفسنا، وأقل ميلًا لقطع تواصلنا مع الآخرين أو الشعور بالغضب تجاههم.
ها هو مثال لك: فلنفرض أنك على موعد على العشاء (مختلف عن موعد الأسبوع الماضي). تركت مكان عملك في الخامسة، وذهبت مسرعًا إلى المتجر لجلب احتياجاتك الطازجة... ثم أسرعت لشراء العصائر، و أخيرًا ذهبت إلى القطار مهرولاً للذهاب إلى المنزل، وتجهيز كل شيء قبل الساعة السابعة كما خططت. نجحت فى تجهيز عشاء رائع فى الموعد المحدد، ولكن بقي شيء واحد فقط... لا رفيق.
رفيقك لم يظهر حتى الساعة الثامنة، كيف تشعر؟ على الأرجح تشعر بالإحباط والانزعاج والغضب بشكل عام. هل رفيقك السبب؟ هل جعلتك تصرفاته غاضبًا؟ قد تظن ذلك.
لكن انتظر! فلنجرب مرة أخرى.
فلنفترض أنك عندك نفس موعد العشاء، هذه المرة، مديرك طلب رؤيتك فى مكتبه في الساعة الخامسة إلا خمس دقائق؛ لذا لن تغادر عملك قبل الساعة الخامسة والربع. مرة أخرى، ذهبت مسرعًا إلى السوق لجلب احتياجاتك الطازجة، ثم أسرعت لشراء العصائر، و أخيرًا ذهبت مهرولاً إلى القطار للذهاب إلى المنزل، وتجهيز كل شيء قبل الساعة السابعة كما خططت. ولكن هذه المرة القطار تعطل فى وسط النفق، وظللت محتجزًا فيه لمدة ٤٠ دقيقة فى الظلام. وأخيراً تمكنت من الذهاب للمنزل متأخرًا ساعة عما خططت له.
أسرعت لتجهيز وجبة العشاء، وأنت منتبه إلى صوت الجرس طوال الوقت، و خائف من احتمال اضطرارك لتفسير تأخيرك لرفيقك المحبط. فى الساعة الثامنة، وفى نفس الوقت الذى انتهيت فيه من جميع تجهيزاتك، سمعت الجرس، كيف ستشعر الآن؟ فى هذه الحالة أظن أنك على الأرجح ستشعر بالامتنان والارتياح.
ولكن انتظر، فرفيقك فعل نفس الشيء فى المرة الأولى. إذا كانت تصرفاته قد ضايقتك فى المرة الأولى، فلماذا لم تضايقك هذه المرة؟! رفيقك قد فعل الشيء نفسه بالضبط. نعم، احتياجاتك تم تلبيتها فى السيناريو الثاني وليس الأول.
لازال هناك المزيد لنتعلّمه كلّما تقدّمنا في دورة التراحم...
تجربة عملية
"موعد الغذاء"
عندي صديق أحب رؤيته من حين لآخر. نتقابل عادة فى مكان ما لتناول الغداء معًا. لا أستطيع أن أتذكر مرة واحدة جاء فيها فى الميعاد المتفَق عليه، و قد تحول هذا إلى مصدر كبير للألم بالنسبة لي. لفتّ انتباهه لهذا الموضوع عدة مرات آملاً أن يرى ألمي، ويبدأ فى الالتزام بمواعيده معي. كلّما جاء متأخرًا كلما زاد غضبي وانقطع التواصل. تكرار هذا الموقف كان يزيد من إحباطي لدرجة أنني كنت أفكر فى وضع حد للقائنا. كنت أشعر بالتناقض والإحباط لأنني فى الحقيقة كنت أستمتع بصحبته وصداقته.
و لهذا غيرت تركيزي من تصرفاته إلى احتياجاتي. قمت متعمدًا بتغيير فكرة أنه "يسبب لي ألمًا "إلى "على الرغم من أن تصرفاته تحفّز ألمي، فإن احتياجاتي هى من تسببه فعلياً".
هذا المفهوم الجديد شجعني على فحص احتياجاتي، وقد طرأ لي أنني قد أكون بحاجة إلى مزيد من الاختيارات عن كيفية قضاء وقتي. من الواضح أنني عندما كنت أجلس وحيدًا "لأنه كان متأخرًا"، كنت أفقد استقلاليتي وفعاليتي.
هذا التركيز الجديد على احتياجاتي ساعدني على حل مشكلتي. صار بإمكاني أن أتوقف عن محاولة تغيير سلوكه، والتصرف ببساطة بالطريقة التى تتيح لي تلبية احتياجاتي.
لهذا دائمًا ما أجلب معي الآن كتابًا أو بعض من أعمالي لأدائها عندما ذهابي إلى موعدنا. أطلب كوبًا من الشاي أو القهوة، أسترخي وأفعل ما أريد... هكذا لبيت احتياجاتي. التوتر الذى كان يصيبني، بسبب اعتقادي السابق بأن صديقي هو من يسبب ألمي، اختفى عندما تم تلبية احتياجاتي، بغض النظر عن تصرفاته .بتمييزي بين "المحفز" و "السبب"، صارت حياتنا نحن الاثنان أكثر روعة.
تدريبات هذا الأسبوع
التدريب # ١ - تغيير التركيز - فكر فى موقف تظن فيه أن أحداً ما يسبب لك ألماً أو عدم رضا، قم بكتابة "المحفز" (تصرفه أو تصرفاته).
ثم قم لاحقا بكتابة مشاعرك واحتياجاتك (السبب)، ثم انظر لترى إذا كان باستطاعتك اكتشاف كيف أن احتياجاتك قد تصبح مُلباة عن طريق تغيير تصرفاتك.
التدريب # ٢ – تغيير التركيز مجددا - فكر فى موقف تشعر فيه أنك تسبب لنفسك ألماً أو عدم رضا، قم بكتابة المحفز (تصرفك أو تصرفاتك).
ثم قم لاحقا بكتابة مشاعرك واحتياجاتك (السبب)، ثم انظر لترى إذا كان باستطاعتك اكتشاف كيف أن احتياجاتك قد تصبح مُلباة عن طريق تغيير تصرفاتك، أو عن طريق إقامة طلب من نفسك أو الآخرين. (راجع الأسبوع ١٣ و الأسبوع ١٥).
موارد المجتمع
مواعيد المكالمات الشهرية: اكتوبر ٢١- نوفمبر ١٨- ديسمبر ١٦ - يناير٢٠ - فبراير ١٧- مارس ١٦- ابريل ٢٠ - مايو ١٨ - يونيو ١٥ - يوليو ٢٠ - اغسطس ١٧ - سبتمبر ٢١
للتبرع
جميع العاملين على دورة التراحم باللغة العربية هم متطوعون بوقتهم و مجهوداتهم حتى نستطيع تقديم الدورة مجانا لكل من يرغب. ولكننا لا نستطيع تغطية نفقات الدورة واستمرار ادارتها وتقديمها للآخرين في جميع أنحاء العالم بدون تبرعاتكم. أي مبلغ ولو بسيط يساعدنا بشكل كبير على البقاء واستمرار الخدمات، حيث أن نشاطنا قائم على التبرعات. للتبرع بأي مبلغ اضغط هنا.
مراجع الصفحات والتدريبات
الدروس السابقة
الأسبوع الأول، الأسبوع الثاني، الأسبوع الثالث، الأسبوع الرابع، الأسبوع الخامس، الأسبوع السادس، الأسبوع السابع، الأسبوع الثامن، الأسبوع التاسع، الأسبوع العاشر، الأسبوع الحادي عشر،
الأسبوع الثاني عشر، الأسبوع الثالث عشر، الأسبوع الرابع عشر، الأسبوع الخامس عشر، الأسبوع السادس عشر،
الأسبوع السابع عشر، الأسبوع الثامن عشر، الأسبوع التاسع عشر، الأسبوع العشرون، الأسبوع الحادي والعشرون، الأسبوع الثاني والعشرون، الأسبوع الثالث والعشرون، الأسبوع الرابع والعشرون، الأسبوع الخامس والعشرون، الأسبوع السادس والعشرون، الأسبوع السابع والعشرون، الأسبوع الثامن والعشرون، الأسبوع التاسع والعشرون، الأسبوع الثلاثون، الأسبوع الحادي والثلاثون،