دورة التراحم الإلكترونية ٢٠١٥/ ٢٠١٦
الأسبوع الثالث والثلاثون
مؤسس ومدير التعليم، مركز نيويورك للتواصل اللاعنفي
الفكرة
"فهم الغضب: نفس الموسيقى لكن رقصة مختلفة"
"ليس الناس هم من يجعلوني أشعر بالغضب، طريقة تفكيري هي التي تشعرني بالغضب."
مارشيل روزينبيرج
شب الكثير منا على قناعة أننا نغضب كرد فعل على تصرفات الآخرين، وأن الغضب شعور ضروري وطبيعي ومفيد. لا شك أن الغضب يمكنه أن يساعدنا، وهو يساعدنا بالفعل. إذ يمكنه إنقاذ حياتنا وحياة الآخرين بعض الأحيان، لكن ليس بالضرورة في كل الأحيان.
على مدار سنوات، وخلال دراستي وتطويري لعلاقاتي بالمشاعر والاحتياجات، اتضح لي جليًّا أن الغضب شعور خاص جدًا، فالغضب- على عكس مشاعر أخرى- هو مزيج من المشاعر والأفكار؛ أفكار يمكن لي الاختيار بين الاحتفاظ بها أو تركها. عن طريق ملاحظة أفكاري واختيار ما الأفكار التي أود أنذ اهتم ل بها، يمكنني تجربة المزايا التي يقدمها الغضب دون الثمن الباهظ والمدمر الذي قد أتكبده ويتكبده الآخرون.
ما هو الغضب؟
يمكن اعتبار الغضب مزيجًا من أفكار تحوي أحكامًا، واحتياج أو احتياجات غير مُلباة. عندما نفكر في الأمر، يمكننا التعرف على هذين الشرطين في أي من المواقف التي نغضب أو غضبنا فيها.
على سبيل المثال، كنت أشعر بالغضب والانزعاج عندما كنت أعلق في الزحام المروري، وكان يرجع هذا عادةً لوجود احتياج للحركة والفعالية والاختيار غير مُلباة، وكان يجول بخاطري أيضًا فكرة تحوى حكمًا بأنه ليس علىَّ أن أعلق في الزحام المروري.
بعد بعض الممارسة، عندما أدركت أن هذا النوع من التفكير يسيطر عليَّ، تمكنت من تغيير أفكاري كي لا أظل أعاني من تلك التجربة البائسة. يمكن القول أني أصبحت حاضر الذهن. أدركت أن فكرة "ليس علي أن أعلق في الزحام المروري" لم يكن يساعدني. أدركت أن الزحام المروري هو أمر حتمي وطبيعي جدًا في قيادة السيارات على الطرق مع أشخاص آخرين يحتاجون عادة أن يسلكوا نفس الطريق الذي أسلكه، حتى لو لم يرق لي ذلك. كما أن الناس قد يصطدمون ببعضهم في بعض الأحيان، ويضطرون للتوقف للعناية بأنفسهم وسياراتهم.
عندما فكرت في الأمر بهذا الشكل، أدركت أنه لا يوجد شيء "خطأ"، مما سمح لي بتحويل تركيزي لينصبّ على احتياجاتي. حين كنت أركز على احتياجاتي، كان يبدو لي أنني كنت أفقد إحساسي بالاختيار، وأن احتياجي للحركة والفعالية مازال لم يُلبَ.
اليوم، حين أعلق في الزحام، صار بإمكاني إيجاد طرق أخلرى لتلبية احتياجاتي غير الملباة، أو الحداد على عدم تلبيتهم كما كنت أتمنى. بإمكاني استغلال الوقت في التفكير في أحداث يومي، أو إجراء اتصالات من هاتفي المحمول، أو سماع الموسيقى. نعم، لاأزال أشعر بالاستياء بين الحين والآخر، ولكن بشكل ضئيل جدًا بالمقارنة بما سبق.
هذا مثال بسيط للغاية، ولكن المفاهيم والممارسات التي استخدمها يمكن تطبيقها على نطاقات أوسع. بفضل المفاهيم والممارسات التي درسناها في هذه الدورة، لدينا المواد العملية التي تمكننا من تحقيق تحول في طريقة تعاملنا مع حياتنا وعلاقاتنا.
وفي سياق التفكير التراحمي، يعد هذا من ضمن "البطولات الكبرى"، وهو يُشّكل تحديًّا غير مسبوق، وربما يستغرق عدة محاولات قبل أن نحقق نجاحًا. وهو يتطلب بشدة حضور الذهن والتريث والتعاطف الذاتي والتعاطف مع الآخرين والإبداع، وهو قابل للتنفيذ.
فرصتنا
كلنا لدينا فرصة، لا لنتوقف عن الشعور بالغضب، ولكن لنستجيب، ونمارس غضبنا بطريقة جديدة تخدم حياتنا بشكل أفضل (وأمتع).
تلك قضية ومهمة كبيرة، تؤثر على حياتنا الشخصية والمهنية والسياسية. سنستمر في التعامل مع الغضب مع استمرار دورة التراحم.
تجربة عملية
"معجزة في فيلاديلفيا"
منذ عدة سنوات، ورثت زوجتي بعض الأثاث عن عمتها التي كانت تعيش في فيلاديلفيا. بعد عدة مشاورات، قررنا استئجار شاحنة وإحضارالأثاث بأنفسنا.
قررنا أنا وابني الأكبر أننا سنتولى الأمر، وتوجهنا إلى فيلاديلفيا صباح الأحد. كان علينا القيادة لوقت طويل من بيتنا في شمال نيويورك، بالرغم من أن اليوم كان مشمسًا وكانت معنوياتنا عالية. أدرنا الراديو، واستمتعنا بالرحلة، ونحن نستمع إلى الموسيقى في شاحنتنا المستأجرة. بعدها بأربع ساعات كنا قد وصلنا إلى وسط فيلادلفيا، وكلّما توغلنا في الحي صارت الشوارع أضيق. عندما اقتربنا من وجهتنا كانت الشوارع صغيرة للغاية مقارنةً بشاحنتنا الكبيرة المتحركة.
عندما أخذت آخر منحنى في شارع بيرل، نظرنا أنا وكولين إلى بعضنا في خوف، حيث أدركنا أنه لا يوجد طريق للرجوع للخلف، وبدا لنا أن الطريق لوجهتنا قد قُطع علينا من السيارات الواقفة على جانبيه.
بعد حوالي مائة قدم، اضطررننا للسير بسرعة السلحفاة، أخرج ابني رأسه من جانب الحافلة الأيمن، وراقبت أنا الناحية اليسرى بينما نتقدم ببطء في الشارع.
في أضيق نقطة سألته: "هل نحن بخير؟"، حرك يديه إلى الأمام والخلف فيما اعتبرته أنا بمعنى"استمر". بينما ضغظت على البنزين، سمعت صوت تكسير زجاج وارتطام بلاستيك. في تلك اللحظة فهمت أن إشارة ابني بيده كانت تعني"مستحيل"، لا طريق. كنا قد كسرنا بالكامل مرايا أحد السيارات المنتظرة في الشارع.
عندما أدركت ما حدث، أوقفت الشاحنة لأستطلع الأمر، وأتعامل مع الموقف. بينما كنت أفتح الباب، ظهر شخص ضخم من حيث لا أدري. كان شديد الغضب، جذبني من قميصي ودفعني خارج الشاحنة على الرصيف، وبينما كنت أحاول الإفلات من قبضته، كان يجرني في الشارع، وابني ينظر إليّ في ذعر.
شرع في ضربي بقبضة يده بينما تجمع عدد من الناس، وبدأوا في تشجيعه، استمر في ضربي في الوجه إلى أن سال الدم مني، ودخل في عيني، وبدأت أشعر بالدوار. بدا لي أني سوف أموت من الضرب والركل هنا أمام ابني.
وفي لحظة وضوح، تذكرت أن هاتفي المحمول في جيبي، نزلت على قدمي، وجريت في الشارع، بدأت أتصل بخط الإغاثة ٩١١، ثم استدرت وجريت إلى الشاحنة ناحية ابني، بينما أتحدث إلى المُجيب. انفض الجمع فجأة، وأنا اقفز إلى داخل الشاحنة حيث كان ينتظر ابني في رعب.
شرعت في إدارة مفتاح تشغيل الشاحنة لنهرب، ولكني لم أجده، لقد وقعنا في مأزق، نظرت، فوجدت الحي خاوياً وكأنه مدينة أشباح..لا يوجد روح.
انتظرنا لمدة ١٥ دقيقة، ربما أطول ١٥ دقيقة في حياتي، جلسنا لنضع خطة الهروب إذا عاد مهاجمي، سوف أجري أنا في الشارع لجذب انتباهه بينما يختبئ ابني خلف صندوق قمامة قريب ومعه هاتفي المحمول، انتظرنا ونحن نفحص الشارع الخاوى، وأنا وسط هذا الصمت تذكرت سخرية القدر أن أكون في مثل هذا الموقف في مثل هذا اليوم الصحو الجميل المشمس.
فجأة، ظهرت سيارة في أول الشارع، استعدينا لتنفيذ خطة الهرب، ولكن عندما انفتحت أبوابها تحول خوفنا إلى ارتياح. خرج منها ثمانية ضباط شرطة بكامل هيئتهم، وانتشروا في الشارع بشكل عسكري. شاهدناهم بمزيج من الخوف والارتياح، أشار لنا أحد الضباط أن نبقى في الشاحنة. بقى ضابطان بينما انتشر آخرون في المنطقة،. انتظرنا لنراقب الموقف.
بعدها بخمس دقائق عاد ضابطان، ومعهما الشخص الذي اعتدى عليّ مقيّد اليدين. شرح لي أحد الضباط أن السيارة التي اصطدمنا بها كانت كل ما يملك هذا الشخص في الحياة. في الحقيقة كان بلا مأوى، ولم تكن العربة تعمل ولا مرخصة من الأصل، أو مؤمَّن عليها. سألني الضابط إن كنت أريد أن اتقدم ببلاغ ضد الرجل.
نظرت من فوق كتف الضابط إلى الرجل الذي ضربني. كان من الطبيعي أن أرد على غضبه بغضب أكبر، ولكن حدث شىء غير متوقع.
كل ما كنت أراه هو ألمه. بدا يائسًا وهو ينظر إلى الأرض بين الضابطين الممسكين به. كل ما كنت أرى في وجهه هو كل سنوات الضياع والألم التي مر بها، وفي تلك اللحظة كنت أتفهم بوضوح كيف أن مشاهدته لتدمير سيارته- حصنه الأمين والشيء الوحيد الذي يمتلكه على هذا الكوكب يُدمَّر- جعلته يُجن جنونه.
نعم تم ضربي ضربًا مبرحًا، لكني كنت في أمان، إبني كان في أمان، سأعود لبيتي وعائلتي وتعود حياتي لطبيعتها وتلتئم جراحي.
بينما أنظر إليه اتضح لي الأمر: أرفض أن أكون جزءًا من استمرار ألمه وغضبه؛ الألم الكبير الذي وقع جزء منه عليّ، الغضب الذي كان على وشك أن يجعل حياته السيئة أسوأ.
أخبرت الضابط أني أريد التحدث إلى الرجل الذي أوقفوه. نظر لي بارتياب، وقال بحزم: "لا، أنت لا تريد ذلك". نظرت مباشرةً إلى عينيه، وقلت: "نعم أريد". بعد عدة ثوان، هز الضابط كتفيه، وذهب إلى مهاجمي وممسكيه. بعد مناقشات، أتى الأربعة إليّ، تحدثت إلى مهاجمي فيما كان ينظر إلى الرصيف: "آسف أني اصطدمت بسيارتك، لدي تأمين وسوف أتأكد من إصلاحها". رفع رأسه ببطء، ونظر إلى عينيّ لحظة، ثم تكلّم: "آسف لضربك". مد يده ليصافحني، بينما كان الضابط ينظر إلينا في تعجب. مددت يدي وأجبته قائلًا: "أنا أتفهم".
عندما أفكر في هذا اليوم، أدرك أن سلسلة من الألم قد تم كسرها ولو مؤقتًا، كان من الممكن أن تستهلكني وتدمره. كان من الممكن أن أكون جزءًا من عملية "العدالة العقابية" (الإدعاء والشهادة في المحكمة، كلها مصممة لارسال هذا الرجل للسجن لكي يُعاقَب، كان سيتم القبض عليه ومحاكمته وسجنه وتفريقه عن القليل من الحرية والكرامة الباقيتين لديه. بدلا عن ذلك، وبفضل الوضوح الذي رأيته في تلك اللحظة، انتهى كل شيء، لا أحكام أو عقاب أو غضب أو كراهية، العالم الذي أرغب في العيش فيه.
غادرنا أنا وابني في حماية الشرطة، تحركنا بالشاحنة في صمت، أدركت أن ما حدث للتو كان يمكن أن يكون مختلفًا تماماً لنا جميعًا، عندما غادرنا المنطقة، وانطلقنا في الشوارع الأوسع، نظرنا إلى بعضنا البعض، ثم انخرطنا في البكاء، دموع الألم والحزن والراحة ولدت من حبنا للحياة، وأدرنا الموسيقى مرة أخرى.
تدريبات هذا الأسبوع
تدريب # ١- تفكيك الغضب - فكر في موقف تعرضت فيه لأي من أشكال الغضب : (انزعاج- سخط)، اكتب ملاحظاتك، انظر للأسبوع ٦ والأسبوع ٢٢ للمساعدة في ذلك.
ثم اكتب أفكارك ذات الأحكام كلها، الأفكار التي تصف ما تظن على هذا الشخص يجب أو لا يجب فعله أو أفكار بخصوص "ما الخطأ به"
حاول بعدها تحديد مشاعر أخرى بخلاف الغضب مثل: الإحباط، أو الخوف، أو الحزن واكتبها.
ثم حاول تحديد احتياجاتك غير الملباة، واكتبها كذلك.
في النهاية، حاول معرفة كيف يمكن تلبية احتياجاتك من خلال تغيير أفكارك أو أفعالك.
ملاحظة: قد يكون هذا تدريب رائع جدا إذا تم بمساعدة صديقك التعاطفي.
تدريب # ٢ - رفع الأحمال- تفكيك الغضب وإقامة الطلبات - راجع تدريب # ١ وهذه المرة فكر في طلب يمكنه أن تفتح به حوارًا مع شخص وتكون الإجابة "لا" وتظل أنت بخير. (انظر الأسبوع ١٣ والأسبوع ١٥).
تلميح: إذا بدأت الطلب ب"طلب تواصل" غالبًا ما ينجح، فهم حيوية الشخص الآخر سوف يحدث فرقًا كبيرًا إذا أردت خلق حالة من التواصل قبل التفكير في ماذا تفعله.
ملحوظة: هذا العمل يمثل تحديًا كبيرًا، حاول فيه بحب واهتمام لكل الأطراف، واستعد لل"تريث". انظر الأسبوع ١٢ للمساعدة في هذا.
موارد المجتمع
مواعيد المكالمات الشهرية: اكتوبر ٢١- نوفمبر ١٨- ديسمبر ١٦ - يناير٢٠ - فبراير ١٧- مارس ١٦- ابريل ٢٠ - مايو ١٨ - يونيو ١٥ - يوليو ٢٠ - اغسطس ١٧ - سبتمبر ٢١
للتبرع
جميع العاملين على دورة التراحم باللغة العربية هم متطوعون بوقتهم و مجهوداتهم حتى نستطيع تقديم الدورة مجانا لكل من يرغب. ولكننا لا نستطيع تغطية نفقات الدورة واستمرار ادارتها وتقديمها للآخرين في جميع أنحاء العالم بدون تبرعاتكم. أي مبلغ ولو بسيط يساعدنا بشكل كبير على البقاء واستمرار الخدمات، حيث أن نشاطنا قائم على التبرعات. للتبرع بأي مبلغ اضغط هنا.
مراجع الصفحات والتدريبات
الدروس السابقة
الأسبوع الأول، الأسبوع الثاني، الأسبوع الثالث، الأسبوع الرابع، الأسبوع الخامس، الأسبوع السادس، الأسبوع السابع، الأسبوع الثامن، الأسبوع التاسع، الأسبوع العاشر، الأسبوع الحادي عشر،
الأسبوع الثاني عشر، الأسبوع الثالث عشر، الأسبوع الرابع عشر، الأسبوع الخامس عشر، الأسبوع السادس عشر،
الأسبوع السابع عشر، الأسبوع الثامن عشر، الأسبوع التاسع عشر، الأسبوع العشرون، الأسبوع الحادي والعشرون، الأسبوع الثاني والعشرون، الأسبوع الثالث والعشرون، الأسبوع الرابع والعشرون، الأسبوع الخامس والعشرون، الأسبوع السادس والعشرون، الأسبوع السابع والعشرون، الأسبوع الثامن والعشرون، الأسبوع التاسع والعشرون، الأسبوع الثلاثون، الأسبوع الحادي والثلاثون،